ساعة مكة.. عزيمة قائد مُلهَم وفخر أمة - تايم تايمز
الإثنين 16 سبتمبر 2024




المقالات بأقلامهم › ساعة مكة.. عزيمة قائد مُلهَم وفخر أمة
ساعة مكة.. عزيمة قائد مُلهَم وفخر أمة
10-17-2014 08:37



بثّت قناة «العربية» الفضائية مشكورة مساء يوم عرفة، الجمعة التاسع من ذي الحجة 1435هـ 3 أكتوبر 2014م، فيلما وثائقيا استمر ساعة كاملة، عن ساعة مكة – تلك التحفة المعمارية الفريدة التي تنتصب شامخة تزين سماء أم القرى، مؤكدة للعالم أجمع، أن ثمة عزيمة هنا لا تلين، وعقولا لا تكُفُّ عن التفكير لتحقيق الخير، وخدمة المسلمين، ونفع الناس أجمعين، ورسالة خالدة لخدمة هذه العقيدة النقية، ومبادئ ثابتة راسخة كجبال أم القرى الرواسي، التي يفوح منها عبق طلائع قوافل الحق والإيمان التي أوقفت حياتها كلها لخدمة الدين ورفعة شأن المسلمين.

كان الفيلم مدهشا بحق، فطافت بذهني وأنا أتابعه بفضول شديد، معانٍ كثيرة لجهاد الأبطال وعزم الرجال، الذي جمع بين العلم والإيمان في ثنائية عبقرية فريدة، فتذكرت حديث والدنا وقائدنا الاستثنائي في هذا الزمن الاستثنائي، الملك الصالح عبد الله بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله ورعاه – أثناء رعايته الكريمة حفل افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في ثول، يوم الأربعاء الرابع من ذي الحجة 1430هـ، 23 سبتمبر 2009م، إذ يقول: «… لقد ارتبطت القوة عبر التاريخ بعد الله بالعلم، والأمة الإسلامية تعلم أنها لن تبلغ ذلك إلا إذا اعتمدت بعد الله على العلم، والعلم والإيمان لا يمكن أن يكونا خصمين إلا في النفوس المريضة».

أجل.. لقد اعتمد القائد الاستثنائي، عبد الله بن عبد العزيز، هذا المبدأ في كل أعماله، وتأكد اليوم بشكل يثير الدهشة ويبعث على الذهول، في أكبر ساعة في التاريخ وأعظمها، فاق حجمها حجم أكبر ساعة عرفها الناس في العالم وأشهرها (Big Bin) في بريطانيا، التي تزن 12.5 طن، ويبلغ ارتفاع برجها 320 قدما، بـ35 ضعفا.

وصحيح.. أنها تحفة معمارية فريدة، غير أنها صُنِعَت بالدرجة الأولى لتكون هاديا ومرشدا لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم في العالم، يولّون وجههم شطر المسجد الحرام خمس مرات يوميا، لتساعدهم في تحديد مواقيت صلواتهم، فأصبحت بذلك إنجازا إسلاميا فريدا، تفخر به الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها.

أقول: تابعت مراحل هذا الإنجاز العلمي الإسلامي العظيم منذ كان فكرة في رحم الغيب إلى أن أضحى حقيقة ماثلة للعيان، يراها الإنسان بوضوح على بعد ثمانية كيلومترات، فرأيت مئات العمال الماهرين وهم ينهمكون في العمل بأربع دول، فكل يعمل على جزء معين، إضافة إلى عشرات المهندسين الحاذقين. استمر العمل على قدم وساق أربع سنوات، وقد بلغت تكلفتها مليار ونصف المليار ريال، لكن والدنا عبد الله بن عبد العزيز – حفظه الله، لا يهتم للمال طالما يُصرَف في خدمة عقيدتنا ووطننا ومواطنينا. كما أن ثقته بعون الله لا تحدُّها حدود، كما أكد في كلمته البليغة بمناسبة ميزانية العام الماضي: «… ما يُصرَف في خدمة الدين والوطن، يعوضه الله، واللي في الأرض أكثر».

فما كاد العمل ينتهي في أبراج وقف الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه – بالحرم المكي الشريف، حتى تاقت نفس حادي ركبنا عبد الله بن عبد العزيز، صاحب النفس التوّاقة إلى تحقيق الخير ونفع الناس، كما يؤكد كلما دشن إنجازا: «… أنا لست مقتنعا حتى الآن، وفي رأسي أكثر من الذي صار، وإن شاء الله سيتحقق بجهودكم معي»، تاقت نفسه إلى عمل ساعة تكون مرجعا لمواقيت الصلوات لجميع المسلمين في العالم، تأكيدا لاحترام الإسلام الوقت، فوقع الاختيار على شركة ألمانية، تعد أشهر الشركات العالمية المعروفة في إنجاز مثل هذه الأعمال.

وما إن تم الاتفاق على كل شيء، حتى انهمكت الشركة في إنجاز العمل في الأجل المحدد، حسب المواصفات الدقيقة المطلوبة. والحقيقةُ، واجهتها مشاكل كثيرة، وكل من تابع الفيلم يدرك أن عون الله – سبحانه وتعالى – كان المحرك الأساسي لعبقرية المهندسين ومهارة العمال للتغلب على تلك المشاكل. ولأن التفكير في عمل الساعة كان لاحقا لاكتمال العمل الأساسي في الأبراج، كان لا بد من التفكير في عمل هيكل يثبت في هذا الارتفاع الشاهق ويصمد ضد الظروف المناخية ويقوى على حمل ساعة هائلة ثقيلة الوزن كتلك، فصُنِعَت أجزاء هيكل من الفولاذ يلبي كل تلك الاشتراطات في تركيا، ثم نقلت إلى دبي فالسعودية، وتم تركيبها بعضها مع بعض وثُبِّتت بواسطة لحام متين، لأن الربط بالبراغي في عمل كهذا قد يؤدي إلى انهياره – لا قدر الله – في أي لحظة مع مرور الوقت، وقد بلغ وزن الهيكل بعد اكتماله (12000) طن.

وفي الوقت نفسه الذي شرعت فيه الشركة في عمل الهيكل، كان العمل يجري قدما في أجزاء الساعة الأخرى في أكثر من مكان، فكنت أرى العمال والمهندسين منهمكين في العمل في ألمانيا وتركيا ودبي والسعودية بشكل يبعث على الدهشة والإعجاب، دهشة تؤكد معرفة الجهة المصنّعة الدولة التي تتعامل معها وإدراكها مصداقيتها والتزامها، لكن في الوقت نفسه عدم استعدادها للتنازل عن حقها في أدق التفاصيل، حسبما جاء في عقد الاتفاق.

وبهذا الفهم، تم إنجاز أعظم ساعة في التاريخ بتصميم عصري، رائع، مستوحى من التصميم الإسلامي، قطرها 43 مترا ووزن محركها 21 طنا، وهو بهذا أضخم محرك لساعة في العالم، وقد صنع من البرونز حتى لا تؤثر فيه العوامل المناخية من رياح وحرارة وأمطار، وقد ضمنت الشركة المصنعة أنه يصمد لمدة تفوق المائة سنة بإذن الله.

ومثلما كان موضوع الهيكل معضلة حقيقية، يعدّ المحرك أكبر تحدٍّ واجه الشركة المصنعة لأنه روح الساعة كلها، كما أن وزنه مثّل تحديا مزعجا، إذ لم تكن أقصى حمولة للرافعات تتجاوز الثمانية عشر طنا، ولهذا اضطر المهندسون إلى فصل المحرك إلى جزأين، فرفعوا القاعدة وحدها وبقية المحرك وحدها، وكانت عملية إعادة أجزاء المحرك بعضها إلى بعض على ذلك الارتفاع الشاهق مزعجة، لحساسيتها، لأن أقل نسبة خطأ يمكن أن تؤدي إلى فشل المشروع، خاصة أن الفراغات بين التروس لا تزيد على واحد من عشرة في المائة من المليمتر. فكنت أرى كبار المهندسين المسؤولين عن العمل وهم يتواصلون مع الفريق العامل في موقع الساعة بمكة المكرمة عبر الهاتف من تركيا وألمانيا ودبي، لأنهم يعرفون مبدأنا ويحترمونه؛ فنحن نقدر علمهم، لكننا لا نستطيع التنازل عن حقنا في عقيدتنا التي تمنع دخول غير المسلمين إلى الأراضي المقدسة، وهنا يتأكد حديث خادم الحرمين الشريفين الملك الصالح عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذي أشرت إليه في المقدمة «… العلم والإيمان لا يمكن أن يكونا خصمين إلا في النفوس المريضة…».

أما عقارب الساعة، فهي أيضا أطول عقارب لساعة في التاريخ، إذ بلغ طول عقرب الدقائق 23 مترا ووزنه طنين، في حين بلغ طول عقرب الساعات 17 مترا ووزنه ستة أطنان. وقد صنعا من ألياف الكربون التي يطلق عليها العلماء (مادة المستقبل) بسبب قوتها ومتانتها وخفقة وزنها.

وتم تزيين الساعة بثمانٍ وتسعين مليون قطعة فسيفساء، بلغ طولها (12.000) متر، بثلاثة وعشرين لونا مختلفا. اشتملت كل واجهة من واجهات الساعة الأربع على 170 قطعة فسيفساء بعد دمجها وتركيبها وتثبيتها بغراء من نوع خاص، وأضيئت الساعة بمليوني مصباح من الـ(LAD) تسمح برؤيتها بوضوح من مسافة ثمانية كيلومترات كما تقدم.

أما الهلال، فقد بلغ قطره 25 مترا ووزنه عدة أطنان وبداخله مصلى، وقد تم تثبيته في قمة البرج على ارتفاع 600 متر، ليبلغ ارتفاع برج الساعة كله بما فيه الهلال 650 مترا.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك خمس ساعات ذرية من السيزيوم، تتحكم في ضبط الساعة، لا تتجاوز نسبة الخطأ فيها ثانية واحدة كل ثلاثمائة سنة. وبعد اكتمال العمل في الساعة، تم ضبطها مع 70 مركز توقيت حول العالم، فدشنها المليك المفدى: «بسم الله الرحمن الرحيم، وعلى بركة الله. وهو شعارنا المعروف الذي ندشن به كل عمل وإنجاز، منذ عهد التأسيس حتى اليوم، وسيبقى إلى الأبد إن شاء الله».

ومن تلك اللحظة الطيبة المباركة، انطلق التوقيت الدقيق لأم القرى، من رحم ثنائية مدهشة لالتقاء العلم بالدين. وأصبحت ساعة مكة المكرمة رمزا للعلم والمعرفة وفخرا لأمة الإسلام، تأكيدا لعزيمة قائد استثـنـائـي، لا يعرف المستحيل. وحقا، كما قال المعلق في قناة «العربية»: أمر مذهل أن تتحول مجرد فكرة إلى عمل حضاري جبار.

رابط الخبر بصحيفة الوئام: ساعة مكة.. عزيمة قائد مُلهَم وفخر أمة

بقلم / الأمير بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
الوئام

تعليقات تعليقات : 0 | إهداء إهداء : 0 | زيارات زيارات : 1433 | أضيف في : 10-17-2014 08:37 | شارك :


خدمات المحتوى
  • مواقع النشر :
  • أضف محتوى في Digg
  • أضف محتوى في del.icio.us
  • أضف محتوى في StumbleUpon
  • أضف محتوى في Google


الأميربندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
الأميربندر بن عبدالله بن تركي آل سعود

تقييم
4.75/10 (3 صوت)

install tracking codes
للتواصل من خلال الواتساب 0506662966 ـــ 0569616606 البريد الالكتروني للصحيفة arartimes@arartimes.com ص ب 1567 الرمز البريدي 91441