سُوقُ عُكاظ الماضي الزّاهر والحاضر البائس - تايم تايمز
الإثنين 16 سبتمبر 2024




المقالات بأقلامهم › سُوقُ عُكاظ الماضي الزّاهر والحاضر البائس
سُوقُ عُكاظ الماضي الزّاهر والحاضر البائس
11-15-2014 03:02




يَتَفَنَّنُ الغربُ في صُنعِ وتَرويجِ وتَسويقِ الماركاتِ أي العلاماتِ التجاريّةِ والرُّمُوزِ ثقافيًّا واقتصاديًّا ليضعَ بَصْمَتهُ على الآخر، ويَتفرَّدُ بتشكيلِ المشهدِ في القريةِ الكونيةِ الصغيرةِ، في حينِ نعملُ نحنُ العربَ على تشويهِ قِيمنا ورُمُوزنا وإفراغها من مُحتواها، فهلْ هو إِملاءُ الزّمنِ الرَّدِيءِ الذي نعيشهُ؟؟! أمْ هو حُكمُ المكان الذي يفرضُ علينا أن نُمثّلَ الطّرفَ السَّالبَ في المُعادلةِ .. الزَّاوية المُعتِمَة في الصورةِ.. أم هو إلحاحُ غريزةِ الفوضويّةِ والإرتجالِ التي ما فتئتْ تسكننا ونسكنها.

لقد كانت سُوق عُكاظ موسمًا باذخًا للشّعرِ والثّقافةِ والأدبِ والتجارةِ، وكلٌّ كان يُفتّشُ عن ضالّتهِ فيجدها، وما بينَ قُبّةِ النّابغةِ وآخرِ قُبّةٍ في السُّوقِ امتدّت فضاءاتٌ من الأخذِ والعطاءِ والتبادلِ والمنافسةِ الشريفةِ، أمّا الشُّعراءُ فكان أحدهم يُفكرُ ألفَ مرّةٍ قبل أنْ يَتجرّأَ على عرضِ شِعرهِ في هذا الميدانِ النُّخبويِّ الكبيرِ.

إنّ فكرةَ إحياءِ هذا التقليدِ واستغلالِ الشُّحن الدّلاليّةِ لعُكَاظَ أمرٌ صائبٌ لكنّ تطبيقَ ذلك على أمر الواقعِ يحتاجُ طاقمًا كفؤًا قادرًا على استيعابِ المرامي والأهدافِ من وراءِ حَدثٍ كهذا. كان من المفترض أن يتركَ أصداءً مُدوّيةً على امتدادِ السّنةِ بدل أن يتلحّفَ بأستارِ النّسيانِ كَمُناسَبةٍ سنويّةٍ عابرةٍ لا تخرجُ عن الدائرةِ الضيّقةِ للقائمينَ عليها وزبائِنهم.

إنّ سُوقَ عُكاظ يا سادتي .. في نُسَخِهِ الماضيةِ أشبه ما يكونُ بوجبةِ "ألتيك أواي" أو "السّفريّ السّريعة" يطبخُها غير ماهرٍ ويأكُلها عديم ذوقٍ، أمّا الشُّعراءُ والكُتَّابُ المُبدعونَ فلا مَحَلَّ لهم فيها من الإعراب!، وإنْ حضرَ أحدُهم بالصدفةِ أو بغيرها فسيكونُ حالهُ كما قال الشَّاعرُ: " وَلَكِنّ الفَتى العَرَبيّ فِيهَا/ غَرِيبُ الوَجْهِ وَاليَدِ وَاللّسَانِ"، ولعلَّ ذلك ما جعلَ الإعلام العربيّ والعالميّ لا يُوليهَا كبيرَ اهتمامٍ ولا حتّى ثُلثَ ما يُولِي لتظاهراتٍ من قبيلِ أميرِ الشّعراءِ وشاعرِ المليون وحتّى ستار أكاديمي التي لا تمتلك سَنَدَها التّاريخيّ وعمقها التُّراثيّ ودِلالتها الفكريّةِ والمعنويَّةِ، لقد قابلتُ الكثيرَ من الشّعراءِ والكُتّابِ والمُفكرينَ المُبدعينَ الذينَ أبدوا امتعاضَهُم عندما حاولوا التّواصلَ مع هذهِ التّضاهرةِ فاصطدموا بالإهمالِ وعدم الرَّدِّ حتّى أنّ أحدَهم قال لي إن جائزةَ سوق عكاظ تُذكّرهُ بصُكُوكِ الغفرانِ التي كانت توزّعُ في العُصُورِ الوسطى، فإلى متى ستظلُّ مَواعيدُ هذهِ التّظاهرةِ الكُبرى مُؤجَّلة أو "سُكّيتِي" كما يقول أخوتنا المصريون. فلا جوائزها خدمت من أُعطيت لهم .. لأنّهم في أغلبهم لا يستحقونها، ولا هُم خدموا التّظاهرةَ لأنَهم لا يستطيعونَ فِعلَ ذلك!.

بِوِدِّنا لو كانت عُكاظ موعدًا سنويًّا ينتظرهُ المثقفونَ العرب من خليجهم إلى محيطهم كلّ سنةٍ يلتقون فيه عبر مُحاضراتٍ وأمسياتٍ وندواتٍ ومعارضَ وتتاحُ لهم جولاتٍ وصولاتٍ تجعلهم يطّلعونَ عن كثبٍ على ما حبى الله به هذهِ البلاد من آثارٍ ومناظرَ جذّابةٍ تتركُ في نفوسهِم انطباعاتٍ خالدةٍ تنعكسُ في كتاباتِهم وأعمالِهم وتجعلهم رُسُلَ محبّةٍ وسلامٍ للمملكةِ أينما حلّوا وحيثما ارتحلوا، وبِوِدِّنا لو أقيمَ للجائزة مجلسٌ ولجنة تحكيمٍ منتقينَ من صفوةِ أصحابِ التخصصِ والإبداعِ، وبِوِدِّنا لو دُعِيَ الإعلام العربي والعالمي لتغطيةِ هذا الحدث الكبير، وبِوِدِّنا لو أُطلقت على كلِّ نُسخةٍ منه على رَمزٍ من رُمُوزِ المملكة وعلمٍ من أعلامِها في الثّقافةِ والأدبِ والسياسةِ والإقتصادِ حِينها سيكونُ المشهدُ أروعَ والصيتُ أكبرَ وسيرتاحُ الأخوةُ القائمونَ على سوق عُكاظ من مهنةِ النّفخِ في القِرَبِ المثقوبةِ واهدار الأموال الطائلةِ أدراجَ الرّياحِ وركنِ الإبداعِ وحشرهِ في الزّاويةِ الضّيّقةِ ورَمْيِهِ في خَانةِ الإهمالِ والنّسيانِ.

ينبغي أنْ تخرجَ عكاظ من عقالِ البيروقراطية وتكتفي بالوصايةِ لتوضع في أيدي الخُبراءِ الأكفاءِ والمبدعينَ إشرافًا وتنظيمًا واختيارًا للمدعوينَ المتميّزينَ الذين يُضيفُ حُضورهم للتّظاهرةِ زَخَمًا وَوَهَجًا لا الذين يكونون عالةً عليها ويعملونَ كفلاتر ومصافي لتميز الجيّدِ من الرَّديءِ عكس الصورة الراهنة التي تحجبُ الجيّدَ وتُبرزُ الرّديء جهلاً لا تجاهُلاً ليضيعَ دَمُ الإبداعِ بينَ الغثِّ والسّمينِ، ونحنُ نَعلمُ عِلمَ اليقينِ أنّ فاقدَ الشّيءِ لا يُعطيهِ، وأنّ القوسَ لا تُعطى لغير باريها.

أرجو أنْ تكونَ هذهِ المُقاربة باكورةً لنقاشٍ جادٍّ حولَ هذا الموضوعِ الحسّاس وتذكرةً لأصحابِ الأقلامِ من الغيورينَ على مصالح ومكانةِ بلدهم أنْ يُساهموا في إزاحةِ السّتار عن هذهِ المسرحيةِ الباهتةِ التي لا أبطالَ لها من أجل تصحيحِ الأخطاءِ وإعادةِ النظرِ والبحثِ عن إستراتيجيةٍ جديدةٍ ذاتِ أبعادٍ تخدمُ الثّقافة والأدبَ والفكرَ وتُبوأُ المملكة مكانتها الثقافية المرموقة -التي يتطلعُ إليها ولاةُ الأمرِ- إلى جانبِ مكانِتها الدّينية ..

وعلى اللهِ قصدُ السّبيل،،

بقلم الشاعر/ عبدالإله المالك

تعليقات تعليقات : 0 | إهداء إهداء : 0 | زيارات زيارات : 1078 | أضيف في : 11-15-2014 03:02 | شارك :


خدمات المحتوى
  • مواقع النشر :
  • أضف محتوى في Digg
  • أضف محتوى في del.icio.us
  • أضف محتوى في StumbleUpon
  • أضف محتوى في Google


عبدالإله المالك
عبدالإله المالك

تقييم
2.77/10 (12 صوت)

install tracking codes
للتواصل من خلال الواتساب 0506662966 ـــ 0569616606 البريد الالكتروني للصحيفة arartimes@arartimes.com ص ب 1567 الرمز البريدي 91441