|
إلى جنة الخلد أبا خالد
07-05-2015 05:04
رزء وطننا الغالي بفقد رمز من رموز هذا الوطن المعطاء ، رمز قضى في خدمة وطنه 70 عاماً ، إنه أمير الشمال ، بل والد ابناء الشمال ، حيث قضى عمره فيما بينهم يشاركهم أصغر همومهم ، فيفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم ، ويعرف قصصهم وأخبارهم ربما أكثر منهم .
سـألته مرة - أثناء تأليفي لكتاب سيرة الامير عبدالعزيز بن مساعد رحمه الله – عن قصة معينة لوالده ، فأجاب :
" ياولدي .. أنا ما اعرف ألا قصص شمر وعنزة ، ولدت بحايل وتعلمت القراءة والكتابة والقرآن ، وتعلمت معه قصصهم من الشاعر التبيناوي لين حفظته مثل اسمي ، ثم تعينت بالقصيم من الملك المؤسس طيب الله ثراه وأرسل معي الوالد بعض أعيان وكبار رجالات حايل أمثال ابن دغيم وغيره ، ثم لما انتقلت للشمال ماعديت نفسي إلا واحد منهم "
رحمك الله يا أبا خالد ، منذ ريعان شبابه حمل الأمانة وقام بها خير قيام ، فقد اختاره الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - في 1 رمضان 1366 هـ أميراً على منطقة القصيم , رغم صغر سنه ( 16 سنة ) , وهذا شرف لم يحضَ به غيره وهو الحصول على ثقة الملك المؤسس في هذا السن ليكون أميراً لأحد أهم المناطق في هذه الدولة الفتيّة .
وقد سألت سمو الأمير رحمه الله عن ذلك فقال سموّه : لذلك قصة ؛ ذهبنا مرة برفقة الوالد من حايل متجهين إلى الرياض , فلما قاربنا الدرعية كاد أن ينفد الوقود من السيارات , فجمعوا مافيها من وقود ووضعوه في سيارة الوالد لتوصله إلى الرياض , وبقيت مع من بقي هناك من الخويا , فما هو إلا ساعات حتى وصلت سيارات محملة بالبراميل المليئة بالوقود قد أرسلها الملك عبدالعزيز إلينا , فمُلئت سياراتنا بالوقود وانطلقنا نحو الرياض , فلما دخلت مجلس الملك عبدالعزيز وسلمت عليه قال : " هاه ياعبد الله همّلك أبوك " يكررها طيب الله ثراه , وفي المجلس أعيان آل سعود وآل رشيد , فقلت : " لو همّلني يا طويل العمر أنت ما تهمّلني " فأعجب الملك عبد العزيز بهذا الجواب حتى جعل يقول لمن في المجلس : " قولوا ما شاء الله على ولدي , قولوا ما شاء الله على ولدي " . ثم أرسل إلى إمام مسجدنا في حايل يسأله عن صلاتي , فأخبره بما سرّه , ثم بعد ذلك أراد تعييني أميراً للقصيم فرفض الوالد رحمه الله نظرا لصغر سني , فقال الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه : " عبدالله ولدي وعندي , اسمع ياعبدالله ترى عيّناك أمير للقصيم , لا تراجع أبوك بحايل , أنت على طول تراجعني أنا " وقد كانت القصيم قبل ذلك تتبع لحايل .
وفي 1 ربيع الثاني 1376 هـ انتقل رحمه الله إلى أمارة منطقة الحدود الشمالية , ليكمل في خدمة هذا الوطن 70 عاماً و16 يوماً ، 10 أعوام أميراً للقصيم ، و60 عاماً أمير لمنطقة الحدود الشمالية .
عبد الله اللي حامي شمالها .. ( 60 عامٍ ) والمعادي يدحره
وكان رحمه الله منذ أن عُيِّن أميرا لمنطقة الحدود الشمالية لا تكاد تجد مكتبه مغلقاً , حيث كان رحمه الله يجلس للعامة في مكتبه من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر , ثم يجلس من بعد صلاة العصر حتى المغرب , وفترة المغرب يختص بها أهله وأولاده , ثم يجلس من بعد العشاء حتى الثلث الأول من الليل , وذلك حتى في أيام العيدين .
يغشى الناس مكتبه ومجلسه دون ميعاد أو إذن مسبق حتى أنه لايوجد دون بابه سكرتاريه ، بل الدخول عليه أسهل من الدخول على أي مدير إدارة فرعية ، لثقته بنفسه وحرصه على نفع الناس .
وكان رحمه الله – رغم كبر سنه – يقوم حتى للطفل إذا أتى للسلام عليه ، ذات مرة حاولت أن أسبقه بالسلام قبل قيامه فغضب رحمه الله ، وقلت له : يا أبو خالد حنا عيالك والقيام يتعبك ، فقال رحمه الله : " ما أرضى أن يسلم عليّ أحد وأنا جالس مع قدرتي على القيام ، هذا ما تعودنا عليه ، وعدم قيام المستطيع للمُسَلِّمِين قلة أدب "
كان رحمه الله ينظر في كل معاملة تُقدم عليه ولو صغرت ، ويوجه التوجيه المناسب ، ويتابعها بعد صدورها للجهة المختصة حتى يتأكد من وصول الحق لأصحابه .
كان رحمه الله حازماً في جميع الأمور ، لا يدع مجالاً لأصحاب الشفاعات بالتدخل فيما يصل إليه ولو كان ذلك من أقرب الناس إليه ، بل حتى يصل الحق لطالبه .
كان رحمه الله يتحلى بهضم النفس وإنكار الذات , فقد سألته مرة أن يأذن لي بتأليف كتاب أجمع فيه سيرته فأبى سموّه وجعل يردد : " اتركوني , اتركوني" .
كان رحمه الله يجل العلماء ويستقبل حتى صغار الدعاة الزائرين للمنطقة في مكتبه أو مجلسه ، وكان حريصاً على مجالسة القضاة ومشايخ المنطقة بين الفينة والأخرى يشجعهم ويحثهم على أداء دورهم في المجتمع من الدعوة إلى الله تعالى .
أما أعماله الخيرية رحمه الله فلا يحصيها كتاب ، مابين بناء المساجد والجوامع ومساعدة المحتاجين وعلاج المرضى وإعتاق الرقاب وغيرها من جميع وجوه البر ، ورغم ذلك لا يحب الحديث عن ذلك حتى للمقربين ، فقد سألته مرة عن دعمه لحلق التحفيظ ، فقال : " هذا شيء بيننا وبين الله " ، وقد ذكر الاستاذ حسن حسن سليمان أنه سأل سموّه أن يحدثه عن بعض الحالات التي عالجها في الخارج وظروفها فرفض ، وقال : " هذه أسرار الناس , وأنا حريص على كرامتهم ومشاعرهم , ولم أفعل ما فعلت إلا بدافع الواجب ابتغاء ثواب الله ورضوانه , والحمد لله على ذلك " .
وقد عرف عنه حرصه على الصلاة جماعة في المسجد , وأدائها في وقتها مهما كان الشاغل , بل وقطع جميع الأشغال مهما بلغت أهميةً إذا سمع الأذان , كنت مرة زائراً للسلام عليه في مكتبه , وكان عنده بعض المسؤولين , وقد غصنا في الحديث , فحانت صلاة الظهر وهاب موظفوه أن يقطعوا حديثه , فلما فرغ من الحديث سألهم " أذنوا ؟ " فأجابوا بأنهم أذنوا قبل دقائق , فعلا وجهه الغضب لذلك وقال " ليش ماخبرتوني أول ما أذن ! إذا أذن المؤذن يوقف كل عمل "
وكان رحمه الله يشارك الناس همومهم واهتمامتهم فيسألهم عن ذلك رغم تنوعها , حتى أنه ربما داعب بعض الشباب بسؤاله عن ناديه المفضل وأحياناً المباركة له بفوز ناديه ، بل والاتصال أحيانا على بعض موظفيه ومرافقيه بعد مباراة فريقه ، وقد وقفت على ذلك كثيرا في جلسات ما بعد العشاء .
رحمك الله يا أبا خالد ، فنحن فقدنا أباً حنوناً عطوفاً على أبناءه ، والله أسأل أن يبارك في بنيه ويجعلهم خير خلف لخير سلف .
وأرفع من هنا تعازي أبناء الشمال لسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله - ، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله - ، وولي ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله - ، ولصاحب السمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد آل سعود – حفظه الله - ، ولأبناء الوالد الفقيد صاحب السمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد آل سعود تغمده الله بواسع رحمته .
بقلم / زاهي الخليوي
مؤرخ وفلكي
|
 تعليقات : 0 |  إهداء : 0 |  زيارات : 920 | أضيف في : 07-05-2015 05:04
| شارك :
خدمات المحتوى
|
زاهي الخليوي
تقييم
|
