لنعترف.. فقد فشل الدعاة في هذا! - تايم تايمز
الإثنين 16 سبتمبر 2024




المقالات بأقلامهم › لنعترف.. فقد فشل الدعاة في هذا!
لنعترف.. فقد فشل الدعاة في هذا!
08-19-2014 06:00

الدعاة في هذا العصر من أقل الناس استفادة من الأخطاء وتعلماً من الخبرة في الأحداث الجارية. فالأخطاء تتكرر وتتكاثر، ويزيد الأمر سوءاً أن ينضم إلى ذلك - في كل مرة - وهم الانتصار!
خرج «القاعدة» وتبنى فكر الخوارج في تكفير المسلمين، أو من يخالفهم (تكفير تسلسلي) واستحلال الدماء. وعلى رغم وجود علماء حذروا من ذلك وبينوا فكرهم، إلا أن كثيراً من الدعاة ظل يحسن الظن بهم ويعتذر عنهم، أو على الأقل يلتزم الصمت «فلا ينسب لساكت قول!». حتى إذا احترق «القاعدة» وظن أولئك أنه لا أمل في عودته ولا مكاسب في دعمه خرج بعضهم ينكر عليهم أن فعلهم جر على المسلمين ويلات وسبب لهم مشكلات! فقط! الإنكار بسبب المآلات.. وليس بسبب أصل فكرهم أو سلوكهم. واشتهر نقد «القاعدة» في آخر مراحله، عندما ثبت أنه في حال موت سريري، وصار «القاعدة» قواعد، وكثر القَعَدَة!
عادت المشكلة مرة أخرى، مع تنظيم «داعش»، والسلوك هو هو.. خروج على ولاة الأمر من العلماء والأمراء، ومفارقة للجماعة وغلو في التكفير وتبني التكفير التسلسلي، وانتهاج للعنف واستحلال للدماء بأقرب شبهة.. مع حداثة السن وسفه الأحلام، التي لا يخطئها بصر ولا تضل فيها بصيرة. فقال العلماء كلمتهم وحذروا، وتحمس الدعاة كعادتهم، أو التزموا الصمت وأحسنوا الظن! المشكلة أننا تقريباً في كل مرة نكرر الأخطاء نفسها في أوضاع متشابهة ونتوقع شيئاً مختلفاً!
فلم نستفد من تجربة «القاعدة»، فسكت أناس ونافح آخرون يعتذرون عن ذلك التنظيم وغمغم فريق ثالث! وقال العلماء الراسخون كلمتهم، لكن كالعادة تضيع كلمة الحق في الضجيج.
فلما بلغ السيل الزبى.. وظهر ما لا يمكن السكوت عنه، ولم تسقط ورقة التوت.. بل سقطت الشجرة كلها! انبرى كثير من الدعاة إلى الإنكار.. وهذا جيد، ولو كان متأخراً. المشكلة أنه لتأخره لم يعد ينفع. والمشكلة الأهم أن كثيراً من المنكرين ينكرون العرض ولا يتعرضون لأصل المرض: الفكر الخارجي/ الفكر الذي حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة ونبه على سماته وحذر من شبهة الإلتباس فيه من خلال المظاهر الخادعة. «حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يحقر أحدكم صلاته عند صلاته وقراءته عند قراءته، يقتلون أهل الإسلام...».
الفكر الذي ثبت أنه لا يفيد معه التساهل، ولذلك كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم منهم واضحاً وصارماً، وهو أرحم الناس بالأمة وأصبرهم على المخطئ.
فما يقوم به خوارج العصر من قتل المسلمين ونحرهم، وسيقومون به في كل عصر، متفرع عن أصل أخطر وهو الذي سبب هذا كله، وهو أساس فكر الخوارج الذي لا يعالج سلوكهم إلا بعلاجه: استحلال الخروج على ولاة الأمر وتسفيه العلماء والطعن في نياتهم. فقد قال رأسهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه قسمة ما أريد بها وجه الله!»، وقاتل أوائلهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن ما يقوم به التكفيريون - ممن ينتسب للجهاد - خطأ وجريمة، ليس لأنه فقط يجر الأذى على المسلمين، بل لأنه في الأصل مخالفة لنصوص صريحة في وجوب طاعة ولاة أمور المسلمين ولزوم جماعتهم. وهذا الذي يجب أن يصرح الدعاة بموقفهم منه ويطبقونه عملياً. أعتقد أن تعليق تخطئة خوارج العصر وتجريمهم فقط على ما يسببه عملهم من أذى للمسلمين - كما يقوله عدد من الدعاة المشهورين - ليس إلا نسخة عصرية من القعود الخارجي. والقَعَدة الخوارج هم من يسوغون الخروج ويحسنونه لكنهم لا يخرجون، غالباً لجبنهم أو خشية على مصالحهم الدنيوية.
هذا الأصل هو الذي يجب أن يتوجه إليه إنكار الدعاة إن كانوا صادقين في موقفهم من الخوارج. أما أن ننكر رأس جبل الجليد.. ونسكت ونتعامى عن أصل الجبل وجزئه الأكبر والأخطر، فهذا لا يعالج المشكلة، بل يغطيها حتى تخرج بشكل أخطر في مكان آخر. وينبني على هذا أيضاً أن نحارب كل ما يؤدي إلى نشوء هذا الجبل من الأفكار والتيارات والكتب والجماعات التي تغذيه وتشجع عليه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
إني أقولها بكل وضوح وصراحة، إن من لا يرضخ للأصل الشرعي بطاعة ولاة الأمر المسلمين والصبر على جورهم ويحث عليه ويراه ديناً يدان لله به كما يدان له بالجهاد، وما يتبع ذلك من الرجوع إلى أهل العلم الراسخين، وينكر على أية طائفة من المسلمين تفريطهم في ذلك، إنما هو يمهد الأرض لظهور فكر الخوارج وسلوكهم، وعى ذلك أم لم يعِه. وسيكون عليه وزر من تلك الدماء التي تراق والأنفس التي تزهق وتخرج من أجساد «الأطفال» الذين يزج بهم في تلك المحرقة. وللأسف أكثرهم من أبناء هذه البلد التي قامت على المنهج السلفي الذي تعد فيه طاعة ولي الأمر ولزوم العلماء أصلاً من الأصول.
إن من ينكر على الخوارج فقط لأن أفعالهم تشوه الإسلام أو لأن أفعالهم تجر البلاء على طائفة من الدعاة، فإنما هو في الواقع يقرهم على فكرهم الخارجي، الذي ربما تتبناه طوائف أخرى سائرة في الطريق نفسه، وإن اختلفت النُّسخ بحسب الظروف.
تعليل تخطئة «داعش» وأشباههم ومن سار على نهجهم فقط بأن فعلهم يؤدي إلى مفاسد هو في الواقع تصويب لأصل الفعل وتسويغ له. الحكم على أفعال الخوارج ينبني على حكم فعلهم ذاته في الشرع لا على ما تؤدي إليه تلك الأفعال. والقول بغير ذلك إما جهل وإما تلبيس ومحاولة لتخفيف جرمهم والاعتذار عنهم. وما لم يفقه الدعاة هذا فسنظل نكرر الأخطاء ونلدغ من الجحر نفسه مرات ومرات.

تعليقات تعليقات : 0 | إهداء إهداء : 0 | زيارات زيارات : 937 | أضيف في : 08-19-2014 06:00 | شارك :


خدمات المحتوى
  • مواقع النشر :
  • أضف محتوى في Digg
  • أضف محتوى في del.icio.us
  • أضف محتوى في StumbleUpon
  • أضف محتوى في Google


د. راشد العبدالكريم
د. راشد العبدالكريم

تقييم
5.50/10 (2 صوت)

install tracking codes
للتواصل من خلال الواتساب 0506662966 ـــ 0569616606 البريد الالكتروني للصحيفة arartimes@arartimes.com ص ب 1567 الرمز البريدي 91441