الأخبار ›
الحدود الشمالية ›
صعيدي يشدد على علو كعب الإذاعة وينتقد بشدة بعض المحطات والبرامج الإذاعية
صعيدي يشدد على علو كعب الإذاعة وينتقد بشدة بعض المحطات والبرامج الإذاعية
عرعر تايمز - صالح الرويلي :
في محاضرة ثقافية إذاعية، كان فارسها الإذاعي القدير عدنان صعيدي، كان الموضوع لافتًا، والطرح صاخبًا، لما صحبه من انتقادٍ لاذع لبعض كبريات المحطات الإذاعية في المملكة وفي الوطن العربي التي تخلت عن بث روح الثقافة والإبداع الفكري والثقافي، غير أن فارس الأمسية ظل متمسكًا بالاحترام والتقدير لمحطات إذاعية أخرى كإذاعة الرياض وصوت العرب اللتين ما تزالان رصينتين متزنتين، وما تفتآ المحطتان تبحثان عن المبدعين والمثقفين، وتسعيان مع قلة قليلة غيرهما لأن تكونان من مصادر الثقافة للمجتمع كما كانت معظم الإذاعات العربية.
وقد أبدى الضيف امتعاضًا كبيرات من بعض المحطات التجارية الحديثة والتي قال عنها إنها تبث المرح والفكاهة والترفيه، لكنها انزلقت حتى وصلت الإسفاف في بعض أو معظم فتراتها الإذاعية.
وقبل البدء في صلب المحاضرة قدم عبدالرحمن الحضري الذي أدار الأمسية نبذة من سيرة الضيف العلمية والعملية وأهم المناصب التي تقلدها خلال مسيرته الإذاعية التي امتدت لتسعٍ وثلاثين سنة وأهمها:
- إعداد وتقديم البرامج لإذاعات الرياض وجدة ونداء الإسلام والقرآن الكريم والتلفزيون السعودي وشبكة راديو وتلفزيون العرب art منذ العام ١٣٩٦هـ الموافق ١٩٧٦م
قام بأداء كافة أعمال المذيع ومنها: تنفيذ الفترات، تقديم البرامج، إعداد البرامج، قراءة الأخبار في الإذاعة، النقل الخارجي المباشر، التغطيات لمؤتمرات القمة والزيارات الملكية في الإذاعة والتلفزيون.
كلف بالعمل مديرًا للتنفيذ بالإنابة مرات عدة في الإذاعة.
قام بعمل مدير عام إذاعة جدة بالإنابة مرات عدة.
أعيرت خدماته للعمل في شبكة راديو وتلفزيون العرب لمدة ثلاثة أعوام (مساعدًا لمدير عام الإنتاج بالمملكة بالإضافة إلى إعداد وتقديم البرامج) في الفترة عام 1415هـ الموافق 1995م.
أسس البرنامج المفتوح (في البرنامج الثاني) وأشرف عليه لمدة عام واحد وقدم بعض حلقاته .
قدم فكرة أول برنامج إذاعي مباشرة على الهواء في تاريخ الإذاعة السعودية عام 1419هـ الموافق 1998م من البرنامج الثاني وهو برنامج رحلة على الهواء وقام بإعداده وتقديمه.
قدم فكرة أول برنامج إذاعي تسويقي مباشرة على الهواء لمدينة جدة في تاريخ الإذاعة السعودية عام 1419هـ الم،افق 1998م من البرنامج الثاني وهو برنامج تعال معي إلي جدة وقام بإعداده وتقديمه.
عمل لفترات قصيرة أثناء الدراسة الجامعية مندوبا ومحررا صحفيا متعاونا مع صحف: الندوة، البلاد، الشرق الأوسط.
كتب في النقد الإذاعي والتلفزيوني والفني للصفحات الفنية في كل من جريدة المدينة (ملحق الأربعاء)، مجلة اليمامة، جريدة الاقتصادية، جريدة البلاد.
أسس وأشرف وأعد صفحتي (ديجيتال) في جريدة البلاد، وهي أول صفحتين خصصتا للإذاعة والتلفزيون السعودي في الصحافة السعودية.
قدم وشارك في إعداد حلقات البرنامج التلفزيوني (أيام من حياتهم) من إخراج بسام الملا .
مثل الإذاعة السعودية في إقرار برامج مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربية لعام 2009 م .
مثل الإذاعة السعودية في اجتماع اللجنة العليا لشئون الإنتاج الإعلامي العربي في القاهرة 2009 م .
شارك ضمن وفد الإذاعة السعودية في الاجتماع التنفيذي الحادي والثمانين والثاني والثمانين لاتحاد إذاعات الدول العربية ، والجمعية العمومية الثامنة والعشرين والتاسعة والعشرين .
تم اختياره حكما محايدا لتحكيم البرامج الإذاعية بمهرجان الخليج الحادي عشر للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني في البحرين 2010م من قبل جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج
مارس تدريب عدد من المذيعين والمذيعات اثناء عمله مذيعا .
صدر له كتاب (على الموجة القصيرة) في طبعتين، وهو عبارة مقالات في النقد الاذاعي والتلفزيوني والفن والمسرح، وكتاب آخر حمل عنوان (على موجة طويلة ... برامج وشخصيات) وهو كتاب توثيقي.
وفي بداية محاضرته قال صعيدي:
لا اميل في محاضرتي هذه الى التعريف بالثقافة لغويا فلست اهلا لذلك وجمعكم الكريم فيه من المختصين ما يغني عن تعريفهم بما يعرفونه . . غير اني استغل جزء مهما مما ورد في المعاجم عن معنى الثقافة وشرح المختصين كقولهم : ( . . وعليه فالثقافة هي ازالة كل سلوك غير مستحسن من سلوكيات المجتمع ) فاسخره لمحاضرتي التي تتعرض لدور الاذاعة في تثقيف المجتمع ، ويأتي في مقدمة ذلك الدراما الاذاعية التي عالجت العديد من سلوكيات المجتمع .
ولو اردت اختصار وقتكم فان المحاضرة يمكن ــ وفق مفهوم المستمع او المفهوم العام ــ انهاؤها بقولي : ان كل ما تقدمه الاذاعة يعتبر مادة ثقافية بما فيها نشرات الاخبار والمواد الغنائية . . لكن العمل الاذاعي وتصنيفه البرامجي بل وحتى نظامه المالي حدد للثقافة اطرا مهنية خاصة به ومستمدة من المعنى العام للثقافة .
في كتابه نشأة وتطور الاذاعة في المجتمع السعودي يقول الدكتور بدر كريم ــ يرحمه الله ــ وقد جمع بين خبرته الاذاعية وتخصصه في علم الاجتماع يقول : (تعد الاذاعة بحق ، العنصر المهم بل البالغ الاهمية في الكيان الاجتماعي لأي مجتمع بشري ، واذا كان احد خبراء الاذاعة قد افضى ذات يوم الى القول : " ان الاذاعة وجدت لتبقى " فليس ثمة شك ان هذه المقولة تلقي على الاذاعة مجموعة من الوظائف الاجتماعية لكون الاذاعة وسيلة من وسائل الاتصال الجماهيري ازاء الجماهير المستقبلة لإرسالها ، حيث استقرت هذه الوظائف حاليا عند : الوظيفة الاخبارية ، ووظيفة التنشئة الاجتماعية ، ووظيفة ايجاد الدوافع ودعم الاهداف المباشرة والنهائية للمجتمع ، ووظيفة المحاورات والنقاش ، ووظيفة التربية والتعليم ، ووظيفة النهوض الثقافي وتعزيز الهوية الوطنية ووظيفة الترويح او التسلية ، ووظيفة التكامل ، بغية المساهمة في تحقيق الاستقرار الاجتماعي للمجتمعات البشرية ) انتهى كلام الدكتور بدر .
في بداية الثمانينيات الميلادية التحقت وبعض زملاء العمل الاذاعي بدورة تدريبية في العاصمة العمانية مسقط اقامها المركز الخليجي لتنسيق التدريب الاذاعي والتلفزيوني . . كان المحاضرون هم الأستاذ فاروق شوشة ، الدكتور عبد الصبور شاهين ــ يرحمه الله ــ ، الاستاذ علي عيسى ــ يرحمه الله ــ ، والاستاذ محمد مرعي . . كنا في بداياتنا الاذاعية نتلمس طريقنا الى الاحتراف ، وكان من اهم وصاياهم ان نثقف انفسنا ، واصر الجميع ــ محاضرون ومتدربون ــ ان مصدر الثقافة الاول والاوحد هو الكتاب . . فعارضت ذلك بشدة فالكتاب ليس هو الاوحد وكان الاول لكنه الان هو ضمن مصادر الثقافة التي من المهم جدا ان نعتبر الاذاعة احدى تلك المصادر . . لكني اشترطت ان نجد من يكتب للإذاعة خصيصا وليس الذي ينقل من الكتب او الصحافة . . وقد اوردت هذا في كتابي الاول ( على الموجة قصيرة ) تحت عنوان ( ما زلت احلم ) حيث قلت : أتوقع، ومازلت أحلم، أن الإذاعة بكل سـهولتها سـوف تتـقدم كـل المصـادر الثقافية حتى على الشبكة العنكبوتية ، لكن الأمر ليس بهذه السهولة التي أحلم بها ، بل لا بد أوّلا من إيجـاد الكـاتب الذي يسـتطيع أن يجـعل المعلومة قريبة من أذن وفـكر المستمع ، وأن يتوفر المخرج الذي يعرف كيف يغـري ويجـذب هـذا المـسـتمع، وليس المخـرج الحـريص عـلى إبراز اسمه ( بكل الحب وباقات الورود وأطيب التمنيات وربما رقم الهاتف) .
كما يعلم الكثيرون ان الصحافة في المملكة العربية السعودية كانت بدايتها ادبية فمصادر الاخبار قليلة وليس كل ما يعلم يقال وفق قواعد الاعراف والتقاليد بل وحتى السياسة في ذلك الزمن . . وبالتالي فان الاخبار القليلة قدمت للناس في طبق ثقافي ادبي حتى نعت من يطلع على الصحف بانه من المثقفين . .
اما الاذاعة السعودية التي بدأ بثها في عام 1368هـ / 1949م فقد وجه اول مرسوم ملكي بشأن الاذاعة السعودية ان يكون القران الكريم والمواعظ الدينية والمحاضرات التاريخية هي المادة المذاعة او المواد التعويمية لإذاعة الاخبار الخارجية والداخلية . . وبالتالي فان الثقافة الدينية هي التي سيطرت على معظم الارسال الاذاعي المحدد زمنه بساعة واحدة فقط في فترة الصباح . . غير ان زيادة البث الاذاعي ليصبح عام (1374هـ / 1954م ) اربع فترات اذاعية مجموع ساعات بثها ثلاث ساعات وربع الساعة استدعى زيادة في عدد البرامج ونوعياتها وفق النسب التالية :
1ــ ثلاثون في المائة برامج دينية .
2ــ خمسة وعشرون في المائة برامج اعلامية .
3ــ اربعة وخمسون في المائة برامج ثقافية ، ركزت على الادب العربي وفنونه .
وكان مرد هذه النسبة العالية للثقافة هو انحسار المواد التي تذيعها الاذاعة فيما يجيزه رجال الدين الذين كانوا يعتبرون الكثير من انماط الثقافة خروجا على الدين مثل الدراما والموسيقا ، حيث بلغ مجموع ما بثته الاذاعة منذ عام (1368هـ / 1949م) الى عام (1374هـ / 1954م) من الموسيقى عشرين دقيقة فقط وكانت مقتصرة على موسيقى الجيش لأنها حماسية وجادة . . كما ان تخصيص نسبة ثلاثين في المئة للبرامج الدينية يؤشر الى ان الاذاعة قد ارتفعت بالمواد الدينية الى مرتبة التعليم دون الافصاح عن ذلك فخصصت لها نسبة الثلاثين في المائة وفصلتها عن البرامج الثقافية .
لكن ما لبثت الاذاعة ان أطالت مدد ارسال فتراتها الاذاعية وادخلت نوعيات جديدة حيث اورد الدكتور عبد الرحمن الشبيلي في كتابه ( الاعلام في المملكة العربية السعودية ) نسبة كل نوع من انواع البرامج الاذاعية ــ وهي نسب تقريبية ــ التي تضمنها اسبوع خال من المناسبات الدينية والرسمية ، يقع بين 26/10/1375هـ ( 6/6/1956) وحتى 4/11/1375هـ (12/6/1956م) وفق التالي :
1ــ تلاوة القران الكريم 12,5 %.
2ــ احاديث دينية وادبية وتاريخية 12,5% .
3ــ اخبار وبرامج سياسية او رياضية 20% .
4ــ برامج ترفيهية متنوعة 25% .
5ــ تمثيليات تاريخية 5% .
6ــ برامج ثقافية وتوجيهية وتعليمية 25% . (4)
وهذا يؤشر الى ان الاذاعة السعودية دخلت مرحلة جديدة اهلتها لان تكون مصدرا ثقافيا وان تلعب دورا توجيهيا للمجتمع ــ الذي عارض بعض فئاته انطلاقة مسيرتها في المملكة العربية السعودية ــ وتفتح المجال لطبقات واطياف عدة من المجتمع للمشاركة في برامجها حيث لم تعد المواد المذاعة قاصرة على الجانب الديني الذي يحظى بالتقديس والاستسلام والاتباع ، فالأدب وفنونه والتاريخ والاغنيات والتمثيليات والسياسة مجال خصب للإبداع الذي قد يبرز فيه ثلة من الناس لكن الغالبية العظمي يمكنها المشاركة لان محتواها قابل للنقاش والقبول والرفض وهذا يعني خلق حالة ثقافية تعرف بالرأي والرأي الآخر بالإضافة الى تنمية القدرات الثقافية وتوسيع المدارك وتشجيع الهواة .
ولم يقتصر دور الاذاعة في العملية التثقيفية على ذلك بل تعداه الى ثقافة المسلك الحياتي اليومي للناس في بيوتهم مع اسرهم وفيما بينهم في الشارع وفي كل التعاملات بصور مباشرة وغير مباشرة ، من خلال برامج الاسرة والدراما ( مسمع من برنامج الدين والحياة لمصطفى عبد الواحد ) .
ولعلي اتذكر ان الاذاعة لعبت دورا كبيرا في اتمام عملية اول احصاء للسكان في المملكة عام (1394هـ 1974م) حيث بثت الاذاعة الكثير من النداءات التي اقنعت غير المتعلمين بالمكوث في منازلهم يوم التعداد ، وفي قيادة طموح الشباب وتحقيق احلامهم كان للإذاعة دور هام من خلال الدراما واللقاءات واناشيد الاطفال واستشهد هنا بانشودة انا بدي اصير طيار التي اداها الفنان ضياء عزيز ضياء حيث اخبرني الدكتور هاشم عبده هاشم في لقاء اجريته معه في برنامج ( امنية تحققت ) انه وبعضا من جيله كان طموحهم ان يكونوا طيارين بسبب سماعهم لتلك الانشودة . ( مسمع من أنشودة انا بدي اصير طيار لضياء عزيز ضياء ) ، وهنا علق صعيدي على المسمع الذي أداه ضياء عزيز ضياء عندما كان طفلاً، وقد تجاوز حاليًا السبعين من عمره المديد إن شاء الله. كذلك فلحن الأنشودة مقتبس من أغنية لحنها بليغ حمدي، وغنتها فايزة أحمد وبعض المطربين العرب لاحقًا وهي أغنية (أنا قلبي ليك ميال)، إلا أنه في ذلك الوقت لم يكن أمر الاقتباس أو حتى سرقة اللحن بالكامل بالشيء المهم. ثم يواصل صعيدي ..
ولو تتبعنا مراحل تطور الاذاعة السعودية لوجدنا انها توافقت فيما تقدمه من مواد ثقافية مع كل ما يستجد في الحياة الثقافية وفق ما تعودت عليه من مراعاة لنظام البلد وعادات المجتمع واصبحت الدورة البرامجية للإذاعة السعودية مشتملة على العديد من نوعيات البرامج حيث قلت نسبة ما وصف وفق المفهوم الاذاعي بالبرامج الثقافية وانحصرت في البرامج الادبية والاحاديث وبرامج المعلومات والمسابقات بينما صنفت براج بالمنوعات شملت كل ما تقدمه الاذاعة من مواد غنائية او مسرحية او برامج عن الفنون التشكيلية والرسم والنحت والتصوير او ما يستعرض تاريخ الموسيقى العربية (مسمع من برنامج غازي علي او برنامج رياض سيف الدين) .
وبالعودة لكتاب نشأة وتطور الاذاعة في المجتمع السعودي نجد ان الدكتور بدر كريم ــ يرحمه الله ــ قد حدد العصر الذهبي للإذاعة السعودية في الفترة من عام (1381هـ / 1961م ) الى عام (1391هـ / 1971م ) مستندا في هذا التحديد على ما اتفق عليه الباحثون في علم الاتصال ، على ان كل وسيلة من وسائل الاتصال الجماهيري ، تمر خلال تطورها بمراحل ثلاث :
الاولى : مرحلة البداية .
الثانية : مرحلة التفتح والانطلاق ، وتسمى عادة "العصر الذهبي "
الثالثة : مرحلة النضج الكامل .
وحيث ان الدكتور بدر كريم قد قسم مراحل تطور الاذاعة في المملكة الى خمس مراحل فقد اعتبر ان المرحلة الثالثة الواقعة ما بين عامي (1381هـ / 1961م ) و (1391هـ / 1971م ) هي مرحلة التفتح والانطلاق أي العصر الذهبي وفيه تم تقسيم الدورة البرامجية الى النسب التالية :
1ــ المرتبة الاولى البرامج الدينية بنسبة 19% .
2ــ برامج المنوعات في المرتبة الثانية بنسبة 15% .
3ــ البرامج الثقافية في المرتبة الثالثة بنسبة 12% .
4ــ البرامج الاعلامية في المرتبة الرابعة بنسبة 11,5% .
5ــ الاغاني والموسيقا في المرتبة الخامسة بنسبة 8% .
اما باقي النسب المئوية فتتوزعها برامج الاركان ، والبرامج الشعبية ، وبرامج المقابلات والتمثيليات . .
وكما ذكرت سابقا بان العمل الاذاعي وتصنيفه البرامجي بل وحتى نظامه المالي حدد للثقافة اطرا مهنية خاصة به ومستمدة من المعنى العام للثقافة فان النسبة المحددة بـ 12% لا تمثل فعليا ما يمكن ان نطلق عليه برامج ثقافية لان الموسيقا والغنا والمنوعات تعتبر مادة ثقافية ولو تم جمع نسبها مع ما حدد كبرامج ثقافية لوصلت الى ستين في المائة .
لقد اشاعت الاذاعة الثقافة ولم تجعلها للنخبة مثل الصحافة بل حتى ما ينشر في الصحافة والكتب جعلته في متناول أي مستمع وباسلوب يراعي تنوع طبقات المجتمع (مسمع من برنامج ثمرات الاوراق لمطلق الذيابي ) .
ولعل محاضرتي هذه تدفعني الى مخالفة استاذنا الدكتور بدر كريم ــ يرحمه الله ــ الذي اعتبر تحول البرنامج العام في اذاعة جدة الى البرنامج الثاني ضمن المرحلة الخامسة لأني ارى ان ظهور البرنامج الثاني كان مرحلة هامة ومستقلة في تاريخ الاذاعة السعودية واذاعة جدة على وجه الخصوص . . فقد نص قرار تحويل مسمى البرنامج العام في اذاعة جدة الى البرنامج الثاني في بداية عام (1403هـ ــ 1982م) ان تكون هوية البرنامج الثاني ثقافية وتشمل دورته البرامجية البرامج ( الشعبية ، والمنوعات ، والتمثيليات ، والثقافية ، والادبية ، والفكرية ، والعلمية ، والندوات ) . على ان تنفرد الفترة المسائية بالبرامج الثقافية وتكون البرامج الشعبية والمنوعات في الفترة الصباحية .
لقد قدم البرنامج الثاني في تلك الفترة جرعة ثقافية عالية جدا في المضمون وبأسلوب خفيف واخراج فني لفت انتباه المستمعين ومهد لظهور اسلوب حديث في العمل الاذاعي حيث شارك في اعداد وتقديم البرامج اساتذة الجامعة من اختصاصات مختلفة ومثقفون وشباب وشابات وهواة ، وقد اشتملت الدورة الاذاعية الاولى للبرنامج الثاني على سبعة وعشرين برنامجا ( أي بنسبة ثلاثة وثلاثين في المائة ) تحت توصيف ( ثقافي ) وهي :
1ــ النادي الادبي
2ــ لقاء الفكر والادب
3ــ من رياض الشعر
4ــ حوار حول المايكروفون
5ــ كتاب واراء
6ــ سكن الليل
7ــ الليل والكلمة والنغم
8ــ كاتب وكتاب
9ــ اسمع واكسب
10ــ الافاق الجديدة
11ــ قصة من الادب السعودي
12ــ العلم بين يديك
13ــ الغاز وحلول
14ــ علوم الرياضيات
15ــ المجلة الثقافية
16ــ الموسوعة العلمية
17ــ بريد المستمعين
18ــ من التراث الادبي
19ــ من التاريخ
20ــ الندوة العلمية
21ــ بحوث اكاديمية
22ــ موسيقى الشعر
23ــ شخصية ادبية
24ــ من مكتبة الجامعة
25ــ اعلام الفكر والادب
26ــ موكب العلم
27ــ اللغة الخالدة
بينما عدت البرامج المهتمة بالأطفال والغناء والموسيقى والفنون الشعبية ببرامج منوعة او برامج الاركان مرورا بالبرامج الدرامية وهي في الحقيقة ذات محتوى ثقافي ولكن كما ذكرت سابقا ان هذا تصنيف وفق مفهوم اذاعي برامجي ومالي . (مسمع من قصة من الادب السعودي اعداد حامد عباس )
ومع توالي القيادات المسئولة عن الاذاعة السعودية واذاعة جدة تذبذبت هوية البرنامج الثاني وتدرجت مراحل ضعف المستوى حتى اصبح بكل اسف الان مسخا اذاعيان بمسمى اذاعة جدة .
من المؤسف جدا الا يكون لدى الاذاعة ما يثبت دورها الثقافي في المجتمع الا من خلال اعتراف شخصي او بحث علمي دقيق يستطيع بناء على استبيان ان يقترب من نسبة من يسمع الاذاعة ومن استفاد منها في الجانب الثقافي . . بينما تمتلك الصحافة الكثير من الاثباتات على دورها حيث برز كتاب وادباء كانوا في يوم ما يراسلون تلك الصحف كما ان توزيع الصحف والاعداد المباعة يؤشر الى عدد المستفيدين منها ولو لم تتم قراءة الصحيفة وهنا يجب الا نغفل امرين هامين
الاول : ان عدد المتعلمين عند ظهور الصحافة كان ضئيلا أي ان عدد من استفاد من الصحافة بشكل ايجابي في الجانبي الثقافي اقل من عدد المتعلمين الذين هم قلة بالنسبة لعدد السكان .
الثاني : ان الاذاعة وجهت لعامة الناس وليس للمتعلمين فقط وهي وسيلة سريعة الانتشار ولمسافات لا تصلها الصحف الا بعد اسبوع على اقل تقدير في فترة زمنية لم تكن فيها وسائل المواصلات منتشرة ولا الطرق ممهدة ولا التقنية متقدمة كما هو اليوم .
نعم انا منحاز للإذاعة وعلى ثقة كاملة ان الاذاعة لعبت دورا كبيرا في تثقيف المجتمع كل المجتمع بكل طبقاته وليس نخبة منهم واؤكد من خلال محاضرتي هذه ان الاذاعة احدى وسائل التثقيف رغم ان الكتاب هو الاول والاهم في زمن سابق بل ان الاذاعة اصبحت تلعب دورا محفزا للثقافة فالاختصار في النص الاذاعي بسبب ضيق الوقت وعدم اشعار المستمع بالملل كان يفتح نوافذ للبحث عما ورد في البرنامج من لمحات اواشارات ثقافية . (مسمع من برنامج عبده قزان الحضارة ان حكت )
ان النماذج التي استعنت بها في هذه المحاضرة هي جزء من دور ثقافي نقلت فيه الاذاعة همومكم الثقافية وابداعاتكم وخيالاتكم من خلال لقاء او ندوة او نقل لفعاليات ثقافية ما كان لكثير من الناس معرفتها لو لا الاذاعة . (مسمع حلقة كاملة من برنامج مدارات )
وحتى الجوانب العاطفية للمجتمع كان للإذاعة دور كبير فيها فأذكت مشاعر الحب بين المحبين حتى اصبحت الاذاعة مرسول الحب بينهم . . لقد اورت في كتابي (الموجة القصيرة ) شهادة احد مشايخ فيفا حيث قمنا بزيارة عمل لجازان برئاسة وكيل الوزارة المساعد لشئون الإذاعة الأستاذ إبراهيم الصقعوب ( سابقا ) ، وكان حتما علينا الاستجابة لدعوة كريمة من بعض شيوخ وأهالي فيفا لتناول الغداء على قمة الجبل ، ولم يخفف من رعبنا وهلعنا عند صعودنا الجبل إلا ذلك الترحيب الحار من الداعين ثم ما أذهلونا به من ذكريات عن الإذاعة وبرامجها ، بعضنا لم يعشها وبعضنا تناساها ، وكان من أطرف وأجمل ما سمعت من أحد المشايخ أنهم كانوا يستخدمون الإذاعة رسولا للمحبين !
يقول الشيخ : إذا جن الليل ( يقصد الساعة التاسعة بالتوقيت المحلي ) وكانت الأشواق تلتهب ، وصادف أن قدمت الإذاعة مادة شعرية أو غنائية تعبر عن ذلك الشوق للمحبوب ، فإننا نقوم برفع الصوت ، فتردده الجبال فيصل إلى المسامع المقصودة أكثر شجنا والتياعا . . ثم يتحين المحبوب فرصة إذاعة مادة تعبر أيضا عن مشاعره فيرفع الصوت فاعرف أن رسالتي وصلت !
والقصص والحكايات التي نسمعها من المستمعين كثيرة عن دور الإذاعة في حياتهم . . أحد المختصين في القراءات العشر للقرآن الكريم قال : كنت أراجع مع أحد برامج إذاعة القرآن الكريم ما تعلمته في هذا المجال ، وآخر يقول لك ــ بتأثر ــ : لقد عرفت أشياء كثيرة عن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم من سماعي للسيرة العطرة في الإذاعة وهذا يعني ان الاذاعات الدينية المتخصصة ( نداء الاسلام ، والقرآن الكريم) لم يقتصر دورهما على التعليم والتوجيه الديني بل كان للثقافة الدينية بشكل عام والمتخصصة في علوم القران والفقه والتفسير دور كبير جدا .
نعم الاذاعة مصدر ثقافي ولعبت دورا هاما عندما كانت سيدة المشهد الاعلامي وواصلت دورها وتأثيرها حتى اللحظة خاصة واننا جميعا متفقون ان عدد القراء اقل بكثير من عدد المشاهدين والمستمعين . .
وفي الختام ارجو الا اكون قد اثقلت عليكم ويسرني ان اسمعكم ايضا جزء من نموذجين لبرامج قدم الثقافة بصورة مباشرة وهو برنامج (مسمع من برنامج بطاقة معرفة للدكتور عمر الطيب الساسي ) وبرنامج قدم الثقافة المتخصصة وهو برنامج ( مسمع من موسيقى الشعر للدكتور عبد المحسن القحطاني ) .
وفي نهاية المحاضرة أعطى الأستاذ عبدالرحمن الحضري المجال للمداخلات والتي أتت في مجملها حول موضوع المحاضرة ،كيف أن الإذاعة كانت فعلاً مصدرًا من مصادر الثقافة سواء في هنا في المملكة أو في كل مكان بالعالم. وفي معرض إجاباته شدد الإذاعي عدنان صعيدي على علو كعب الإذاعة رغم كل التطور في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مراهنًا ليس على بقائها فحسب بل على قوتها في وجه منافسيها. هذا وقد انتقد صعيدي القائمين على برنامج أحلى صباح الذين اشتركوا في بث موحد لساعتين يوميًا مع القناة السعودية لأن هذا - بحسب صعيدي - يقتل خصوصية الإذاعة القائمة على البساطة أولاً وعلى قوة طرح المذيعين الذين هم أذن وعين المستمع، فأن رآه المستمع فقدْ فَقَد نصف إبداعه.
ثم تم تكريم الإذاعي القدير بشهادة شكر وتقدير وشارك في تكريمه رئيس النادي الأستاذ ماجد المطلق والدكتور خلف الحربي عميد كلية التربية والآداب بجامعة الحدود الشمالية.